كتاب : بيولوجيا الصبغات الحيوية في قشرة بيض الطيور الداجنة و البرية
تأليف : دكتور جمال طالب الاسدي و اساتذة اخرون
عدد صفحات الكتاب : 200 صفحة
نضع بين يدي القارئ الكريم هذا الكتاب الذي يحاول ان يسلط الضوء على جانب قد لا يلتفت اليه كثيرون وهو لون يكسو قشرة البيض. في هذه القشرة الرقيقة التي تغلف بيض الطيور، يكمن انعكاس حي لتفاعل دقيق بين الوراثة والبيئة، بين الخلية والكون، وكم هو مدهش أن نجد في هذه الطبقة الرقيقة تنوعا وتفردا يعكس عظمة الصنعة الألهية التي قال عنها سبحانه "صنع الله الذي أتقن كل شيء" (النمل :88) تتبعنا في هذا المؤلف مسارات اللون وأنماط تشكله وعلاقته بموائل الطيور، كما بحثنا عن العمق
الفسيولوجي والهرموني لتأثيره في إشراقة البيضة وانعكاساتها الطيفية قبل أن تنطلق هذه الخلية الى الحياة ويدب النبض فيها، فوجدنا في كل طبقة من قشرتها بصمة الهية لا تتكرر ويعجز العلم عن نسخها.
لقد سعينا الى تسليط الضوء على عمليات الصنع البديعة، حيث تتجلى الأسرار اللونية في قشرة بيض الطيور ضمن أطار علمي موثق وتحليل دقيق لما توصلت أليه أحدث الدراسات، كما ركزنا على تتبع هذه الصفات من حيث النشأة والتنوع والاختلاف بين الطيور. وراء كل لون حكمة ووراء كل حكمة خالقا عظيما، وقال تعالى "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"(الذاريات 21)وما هذا الكتاب الا محاولة لفهم احدى تجليات الخالق في هذه الآيات الكونية
لطالما كان بيض الطيور وقشورها مصدر إلهامٍ للبشر على مر القرون. وتحديدًا، لطالما كانت الألوان والنقوش الموجودة على السطح الخارجي للقشرة موضع نقاش بين العلماء والمؤرخين ومراقبي الطيور على حدٍ سواء. ولطالما كان جمال قشور البيض سببًا في تراجعها، حيث ساهم جامعو البيض في انقراض العديد من الأنواع على مدار المئتي عام الماضية. ورغم تجريم جمع بيض الطيور البرية عام ١٩٥٤، إلا أن هذا النشاط المشين لا يزال قائمًا للأسف.
في الواقع، إن الخطر الذي يُشكله جمع البيض بشكل غير قانوني اليوم هو سبب بقاء أعشاش الأنواع النادرة سريةً أو خاضعةً لحراسة مشددة. أي بيض يُصادر الآن من مجموعات غير قانونية، أو يُعترض عند الدخول إلى المملكة المتحدة أو الخروج منها، أو يأتي من مجموعات موروثة مخبأة في منازل الناس، يُعرض الآن في متحف التاريخ الطبيعي في ترينج، هيرتفوردشاير، الذي يضم أكبر مجموعة من قشور البيض في العالم. وتضم المجموعة أكثر من مليون بيضة، بما في ذلك بيض العديد من الأنواع النادرة والمنقرضة، وتوفر موردا قيما للبحث.
ما يجعل هذه الأنماط النابضة بالحياة - المعروفة باسم اللطخة - أكثر إثارةً للإعجاب هو أن جميع الألوان التي تُرى على قشور بيض الطيور ناتجة عن صبغتين فقط: البروتوبورفيرين والبيليفيردين. تدرجات اللون البني المحمر ناتجة عن البروتوبورفيرين، بينما تنبع الألوان الزرقاء المخضرة من البيليفيردين. حتى البيض النقي الذي يبدو أبيض اللون تمامًا لا يزال يحتوي على آثار دقيقة من الصبغة داخل القشرة. تُصنّع الإناث هذه الصبغات، وبالتالي فإن إنتاج الصبغة عملية مكلفة من حيث الطاقة. لذلك، لا بد أن تؤدي هذه الصبغات - والبقع والألوان والأنماط التي تُنتجها - وظائف مهمة. لطالما كان الغرض من الصبغة مجالًا للجدل الكبير، ولكن قبل أن نفهم دورها، يجب أولًا أن نفكر في ماهية بيضة الطيور في الواقع.
ما هي قشور البيض؟
تتكاثر الطيور في جميع قارات الأرض السبع: على ارتفاعات تزيد عن 4000 متر فوق مستوى سطح البحر، وفي درجات حرارة تتراوح بين -40 و+50 درجة مئوية، وفي بيئات تتراوح بين المستنقعات المشبعة بالمياه وأكثر الصحاري جفافًا. يتراوح حجم البيضة بين 1.4 كجم للنعامة الشائعة و0.4 جم لطائر الطنان "الفيرفين"، بينما يتراوح حجم القابض بين بيضة واحدة وحضنات تضم أكثر من 20 بيضة. على الرغم من هذا التباين الكبير في الظروف البيئية وسمات دورة الحياة، فإن إنتاج بيض بصغار قابلة للحياة ضرورة لجميع أنواع الطيور للتكاثر والاستمرار. لذلك، يجب أن يتكيف بيض الطيور مع بيئته، سواءً بيئة العش أو المنطقة المحيطة به.
يُعد بيض الطيور وقشره مادة سيراميكية حيوية معقدة ومتعددة الوظائف، مصنوعة أساسًا من الكالسيوم، تحمي الجنين النامي بداخلها من التلف الميكانيكي والالتهابات، مع توفير الكالسيوم لنمو العظام وضمان التبادل السليم لغازات الجهاز التنفسي. بمجرد وضع البيض، يكاد يكون من المستحيل تحريكه بواسطة الطيور الأم، لذا يجب على البيض أن يتكيف مع أي ظروف جوية قاسية. قد يشمل ذلك الطقس القاسي، والرطوبة، والأوساخ، وفضلات الوالدين، والحيوانات المفترسة. كما يجب على قشرة البيض أن تتكيف مع الأضرار الميكانيكية المحتملة الناتجة عن اصطدامها ببيض آخر في العش. لذا، فإن ما تحققه قشور البيض أمرٌ مذهلٌ حقًا.
----------------
---------------------